الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **
<تنبيه> قال القيصري الوضوء تطهير أطراف الجسد من كل ناحية وفي ذلك تطهير جميعه من الحدث الخارج عنه فإنه إذا قدرته بيديه ورجليه ورأسه كان كالدائرة المحيطة وفي تطهير خارج الدائرة من كل ناحية تطهير جميعها فلو ألقيت ضابطاً في وسط بطن الإنسان بعد مد يديه ورجليه وعنقه ثم أردت الضابط وجدته دائرة ومن هذه الجوارح المحيطة تدخل الذنوب والمخالفات إلى البدن ففي تطهيرها إخراج المخالفات منه. - (ه عن خالد بن الوليد) القرشي المخزومي المشهور بالشجاعة والديانة والرآسة سماه المصطفى سيف الله وله آثار كثيرة في إعلاء كلمة الله وهو الذي افتتح دمشق وكان إسلامه قبل غزوة مؤتة بشهرين وكان النصر على يديه يومها (وشرحبيل بن حسنة) هي علم أمه واسم أبيه عبد الله بن المطاح الكندي وقيل التميمي حليف بني زهرة أحد أمراء أجناد الشام وولاه عمر دمشق حتى مات بها في الطاعون (ويزيد بن أبي سفيان) بن حرب الأمير (وعمرو بن العاص) كلهم سمعوه من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال مغلطاي حديث قال فيه الترمذي عن البخاري هو حسن انتهى ومن ثم رمز المصنف لحسنه وفي نسخ لصحته. 158 - (أتيت) بضم الهمزة وكسر المثناة فوق والآتي جبريل كما سيذكره (بمقاليد) بحرف الجر أوله في خط المصنف وسقوطها في نسخ من تحريف النساخ (الدنيا) أي بمفاتيح خزائن الأرض كما في رواية الشيخين والحديث يفسر بعضه بعضاً جمع مقلد أو مقلاد أو إقليد معرب إكليد وهو المفتاح وفي الكشاف لا واحد له من لفظه وفي رواية مسلم أتيت بمفاتيح خزائن الأرض فتلت في يدي أي ألقيت أو صبت في يدي والمراد بالخزائن المعادن من زمرد وياقوت وذهب وفضة أو للبلاد التي فيها أو المماليك التي فتحت لأمته بعده (على فرس) محركة معروف الذكر والأنثى (أبلق) أي لونه مختلط ببياض وسواد ويحتمل أن يكون هو فرس جبريل الذي هو اسمه حيزوم الذي ما خالط موضع حافره مواتاً إلا صار حيواناً وجائز أن يكون غيره وأخرج ابن عساكر عن وهب أنه قيل لسليمان إن خيلاً بلقاً لها أجنحة تطير بها وترد ماء كذا فقالت الشياطين نحن لها فصبوا في البين التي تردها الخمر فشربت فسكرت فربطوها وساسوها [ص 148] حتى استأنست فجائز أن يكون هذا الفرس من ذلك النوع (جاءني بها جبريل) وفي رواية إسرافيل ولا تعارض لأن المجيء إذا كان متعدداً فظاهر وإلا فالجائي به جبريل وصحبته إسرافيل خيره بين أن يكون نبياً عبداً أو نبياً ملكاً فاختار الأول وترك التصرف في خزائن الأرض فعوض التصرف في خزائن السماء برد الشمس بعد غروبها وشق القمر ورجم النجوم واختراق السماوات وحبس المطر وإرساله وإرسال الرياح وإمساكها وتظليل الغمام وغير ذلك من الخوارق (عليه) أي جبريل ويحتمل الفرس (قطيفة) أي مجلل بقطيفة عظيمة كساء مربع له خمل (من سندس) بالضم ديباج رقيق وهو معرب اتفاقاً وحكمة كون الحامل فرساً الإشارة إلى أنه أوتي العز إذ الخيل عز كما جاء في عدة أخبار سيجئ بعضها وكونه أبلق ولم يكن لوناً واحداً إشارة إلى استيلاء أمته على خزائن جميع ملوك الطوائف من أحمر وأسود وأبيض على اختلاف ألوانها وأشكالها وقد صرح الزمخشري بما محصوله أن الخزائن في هذا وما أشبهه من قبيل التمثيل والاستعارة ففي الكشاف في قوله سبحانه وتعالى - (حم حب والضياء) المقدسي (عن جابر) بن عبد الله قال الهيتمي: رجال أحمد رجال الصحيح انتهى وفيه رد على ابن الجوزي حيث زعم أن الحديث لا يصح من جميع طرقه. 159 - (أثبتكم على الصراط) المضروب على جسر جهنم من غير زلة قدم: أي على المرور عليه (أشدكم حباً لأهل بيتي) علي وفاطمة وابناهما وذريتهما أو نساؤه وأولاده المرادون بقوله تعالى - (عد فر) وكذا أبو نعيم (عن علي) أمير المؤمنين لم يرمز له بشيء وهو ضعيف وسببه أن فيه الحسين بن علان قال في اللسان عن أصله كابن الجوزي وضع حديثاً عن أحمد بن حماد وقاسم بن بهرام ووهاه ابن حبان. 160 - (اثردوا) بهمزة وصل مضمومة فمثلثة فراء مضمومة أمر ارشاد أي فتوا الخبز في المرق فإن فيه سهولة المساغ وتيسير التناول ومزيد اللذة ويقال الثريد أحد اللحمين (ولو بماء) مبالغة في تأكيد طلبه والمراد ولو مرقاً يقرب من الماء قيل وأول من ثرد إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام. قال الزمخشري: ثردت الخبز أثرده وهو أن تفته ثم تبله بمرق وتشرقه في وسط الصحيفة وتجعل له رقبة. - (طس هب عن أنس) بن مالك زين الحافظ العراقي في إسناده عباد بن كثير ضعفه الجمهور وقال الهيتمي: فيه عباد بن كثير الرملي وثقه ابن معين وضعفه جمع وبقية رجاله ثقات ولم يرمز له المؤلف بشيء. 161 - (اثنان) مبتدأ صفة لموصوف محذوف ويجوز أن يخصص بالعطف فإن الفاء في قوله (فما فوقهما) للتعقيب ذكره الطيبي والمراد وما يزيد عليهما على التعاقب واحداً بعد واحد كقوله الأمثل فالأمثل (جماعة) قلا يختص فضلهما بما فوقهما، وهذا قاله لما رأى [ص 149] رجلاً يصلي وحده فقال: ألا رجل يتصدق على هذا فيصلي معه فقام رجل فصلى معه فذكره فعلم منه أن أقل الجماعة اثنان إمام ومأموم، فإذا صلى الشخص مع شخص آخر كزوجته أو خادمه أو ولده أو غيرهم حصلت له فضيلة الجماعة التي هي خمس وعشرون أو سبع وعشرون وهذا لا خلاف فيه عندنا، وذهابه إلى المسجد لو فوتها على أهل بيتع مفضول وإقامتها لهم أفضل وقالت الحنفية: من جمع بأهله لا ينال ثواب الجماعة إلا إذا كان بعذر. - (ه عد) وكذا الدارقطني والبيهقي وضعفه (عن أبي موسى) الأشعري قال مغلطاي في شرح ابن ماجه قال ابن حزم هذا خبر ساقط وكأنه لضعف رواية الربيع بن بدر الملقب عليلة فإنه ذاهب الحديث متروكه ولا يكتب حديثه ولا يتابع عليه كما ذكره ابن معين وأبو حاتم وغيرهما وقال الحاكم يقلب الأسانيد ويروي عن الثقات المقلوبات وعن الضعفاء الموضوعات انتهى. (حم طب عد عن أبي أمامة) الباهلي (قط) من رواية عثمان بن عبد الرحمن المدني عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ابن سعيد بن العاص ثم قال الفريابي في مختصر الدارقطني عثمان هذا لعلة القاضي تركوه (ابن سعد) في الطبقات (والبغوي) في معجم الصحابة (والماوردي) أبو منصور في كتاب المعرفة (عن الحكم) بفتح الكاف مع المهملة (ابن عمير) بالتصغير الثمالي الأزدي قال في أسد الغابة صحابي رويت عنه أحاديث مناكير من حديث أهل الشام لا تصح وفي الإصابة قال ابن أبي حاتم عن أبيه روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث منكرة يرويها عيسى بن إبراهيم وهو ضعيف عن موسى بن أبي حبيب وهو ضعيف عن عمه الحكم ومنها هذا الحديث وقال الزيلعي: هذه كلها ضعيفة انتهى وفيه عيسى بن إبراهيم بن طهمان الهاشمي قال في الميزان أيضاً عن البخاري والنسائي منكر الحديث وعن أبي حاتم متروك ثم أورد له نحو عشرين حديثاً بإسناد واحد من حديث الحكم هذا منها. وقال عبد الحق فيه عيسى بن إبراهيم بن طهمان منكر الحديث متروكه وقال ابن حجر في تخريج الرافعي رواه ابن ماجه والحاكم عن أبي موسى وفيه الربيع بن بدر ضعيف وأبوه مجهول والبيهقي عن أنس وهو أضعف من حديث أبي موسى والدارقطني عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وفيه عثمان الرابعي متروك وابن عدي عن الحكم عن عمير وإسناده واه انتهى وقال في تخريج المختصر حديث غريب وقد جاء من رواية أبي موسى وأبي أمامة وأنس وعمرو بن العاص وأسانيدها كلها ضعيفة وقال في موضع آخر اتفقوا على تضعيفه وقال القسطلاني في شرح البخاري طرقه كلها ضعيفة. 162 - (اثنان لا ينظر الله اليهما) نظر رحمة ولطف أو نفي النظر عبارة عن غضبه عليهم كمن غضب على صاحبه يصرمه ويعرض عنه أو هو مريض بحرمانهم حال كون أكابر أهل الجنة في إكرام الله تعالى إياهم بالنظر إليه (يوم القيامة) نصب على الظرفية قالوا: يا رسول الله ومن هما قال: (قاطع الرحم) أي القرابة بنحو إساءة أو هجر بالفتح والإضافة (وجار السوء) بالفتح والإضافة أي الذي إن رأى حسنة كتمها أو سيئة أفشاها كما فسر به خبر أما قطع الرحم بقطع الإحسان فالأقرب كما قال المحقق أبو زرعة إنه ليس بكبيرة ولا صغيرة وإن ترك ذلك مع القدرة لكن الأقرب إلى ظاهر الخبر أنه صغيرة وسيجيء في عدة أحاديث عدة جماعة لا ينظر الله إليهم ولا تعارض لأنا إن قلنا إن مفهوم الخبر ليس بحجة فظاهر وإلا فنبه بهذين على من في معناهما وكان من عادة المصطفى صلى الله عليه وسلم أن يخاطب كل إنسان بما يليق به ويلائم حاله فلعل المخاطب أو من حضره كان قاطعاً للرحم أو مؤذياً لجاره فزجره بذلك. - (فر عن أنس) بن مالك ولم يرمز له المصنف بشيء وفيه مهدي البصري قال في اللسان كأصله كذبه يحيى وقال ابن معين صاحب بدعة يضع الحديث وقال ابن عدي عامة ما يرويه لا يتابع عليه. 163 - (اثنان خير من واحد) أي هما أولى بالاتباع وأبعد عن الابتداع (وثلاثة خير من اثنين وأربعة خير من ثلاثة) [ص 150] وهكذا كلما زاد فهو خير (فعليكم بالجماعة) أي الزموا السواد الأعظم من أهل الإسلام (فإن الله لم يجمع أمتي) أمة الإجابة (إلا على هدى) أي حق وصواب ومن خصائصها أن إجماعهم حجة وأنهم لا يجتمعون على ضلال كما يصرح به وصفه سبحانه لهم بأنهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر لأن مقتضى كونهم آمرين بكل معروف ناهين عن كل منكر إذ اللام للاستغراق أن لا يجتمعوا على باطل إذ لو اجتمعوا عليه كان أمرهم على خلاف ذلك ولذلك كان إجماعهم حجة. - (حم) من حديث أبي عياش عن أبي البحتري عن عبيد بن سليمان عن أبيه (عن أبي ذر) رمز المصنف لصحته وليس كما زعم فقد أعله الحافظ الهيتمي بأن أبا البحتري هذا ضعيف انتهى وأقول ابن عياش أورده الذهبي في الضعفاء وقال مختلف فيه وليس بالقوي وقال في اللسان وأبو البحتري لا يكاد يعرف كذبه دحيم.قال في ذيل الضعفاء والمتروكين وأبو عبيدة تابعي لا يعرف. 164 - (اثنان لا تجاوز) أي لا تتعدى (صلاتهما روؤسهما) أي لا ترفع إلى الله تعالى في رفع العمل الصالح بل أدنى شيء من الرفع أحدهما (عبد) يعني قن ولو أنثى (أبق) كفعل أي حرب ويجوز كونه بوزن فاعل أي هارب (من مواليه) أي مالكيه إن كانوا جماعة ومن مالكه إن كان واحداً فلا ترفع صلاته رفعاً تاماً (حتى يرجع) إن الطاعة إن هرب لغير عذر شرعي (و) الثاني (امرأة عصت زوجها) بنشوز أو غيره مما يجب عليها أن تطيعه فلا ترفع صلاتها كما ذكر (حتى ترجع) إلى طاعته، فإباقه ونشوزها بلا عذر كبيرة قالوا: ولا يلزم من عدم القبول عدم الصحة فالصلاة صحيحة لا يجب قضاؤها لكن ثوابها قليل أو لا ثواب فيها أما لو أبق لعذر كخوف قتل أو فعل فاحشة أو تكليفه على الدوام ما لا يطيقه أو عصت المرأة بمعصية كوطئه في دبرها أو حيضها فثواب صلاتهما بحاله ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق قال في المهذب: هذا الحديث يفيد أن منع الحقوق في الأبدان كانت أو في الأموال يوجب سخط الله. - (ك) في البر والصلة (عن ابن عمر) بن الخطاب وقال صحيح ورده الذهبي بأنه من حديث بكر بن بكار وهو ضعيف انتهى. 165 - (اثنان) وفي رواية اثنتان (في) بعض (الناس) أي خصلتان من خصالهم (هما بهم كفر) يعني هم بهما كفر فهو من باب القلب أو الاتساع كما في شرح الأحكام والمراد أنهما من أعمال الكفار لا من خصال الأبرار أو المراد كفر النعمة أو سمي ذلك كفراً تغليظاً وزجراً كما قرره القاضي وعلى الأول اقتصر ابن تيمية مع بسط وتوضيح فقال قوله هما بهم كفر أي هاتان الخصلتان هما كفر قائم بالناس فنفس الخصلتين كفر حيث كانتا من عمل الكفار كما أنه ليس كل من قام به شعبة من شعب الإيمان يصير مؤمناً حتى يقوم به أصل الإيمان وفرق بين الكفر المعروف باللام وبين كفر منكر في الاثبات وإحدى الخصلتين هي (الطعن في الأنساب) أي الوقوع في أعراض الناس بنحو القدح في نسب ثبت في ظاهر الشرع (و) الثانية (النياحة على الميت) ولو بغير بكاء ولا شق جيب خلافاً لعياض وهي رفع الصوت بالندب بتعديد شمائله وذلك لأن من طعن في نسب غيره فقد كفر نعمة سلامة نسبه من الطعن ومن ناح فقد كفر نعمة الله حيث لم يرض بقضائه وهو المحيي المميت وفيه أن هاتين كبيرتان وبه صرح الذهبي كابن القيم والوعيد شامل للمادح والمؤرخ ما خرج عن ذلك إلا ما وقع لأم عطية فإنها استثنت في المبايعة حين نهى المصطفى صلى الله عليه وسلم النساء عن النياحة قالت: إلا آل [ص 151] فلان فإنهم أسعدوني في الجاهلية فقال: إلا آل فلان وللشارع أن يخص من العموم ما شاء. - (حم عن أبي هريرة) ورواه عنه أبو نعيم والديلمي أيضاً. 166 - (اثنان يكرههما ابن آدم) غالباً قيل: وما هما قال: (يكره الموت) أي نزوله به (والموت) أي موته (خير له من الفتنة) أي الكفر والضلال أو الإثم أو الاختبار والامتحان ونحوهما وذلك لأنه مادام حياً لا يأمن الوقوع في ذلك ولا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون ومن غير الغالب من أتحفه الله بلطف من عنده فحبب إليه الموت كما حببه لسحرة فرعون حين قال لأقطعن أيديكم فكشف لهم عما أعد لهم فقالوا لا ضير وكما لوى على علي كرّم الله وجهه رعيته حتى شاقوه وقاتلوه مع كونه الإمام الحق حتى أخذ بلحيته قائلاً: ما يحبس أشقاها أن يخضب هذه من هذه وأشار بيده إلى رأسه. قال الراغب: والفتنة من الأفعال التي تكون من الله تعالى كالبلية والمصيبة والقتل والعذاب وغير ذلك من الأفعال الكريهة انتهى وقد تكون الفتنة في الدين كالارتداد والمعاصي وإكراه الغير على المعاصي وإليه أشار المصطفى بقوله "إذا أردت بقوم فتنة فتوفني غير مفتون (ويكره قلة المال وقلة المال أقل للحساب) يعني السؤال عنه كما في خبر "لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسئل عن أربع" وفيه عن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه أي ولو حلالاً وسمى المال مالاً لأنه يميل القلوب عن الله تعالى، قال الراغب: والحساب استعمال العدد. - (ص حم) وكذا أبو نعيم والديلمي (عن محمود بن لبيد) الأنصاري قال في الكشاف: ولد في حياة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ورواياته مرسلة وفي أسد الغابة نحوه قال المنذري: رواه أحمد بإسنادين رواة أحدهما محتج بهم في الصحيح قال ومحمود له رواية ولم يصح له سماع وقال الهيتمي خرجه أحمد بإسنادين أحدهما رجاله رجال الصحيح انتهى ومن ثم رمز المصنف لصحته هنا وقال في الكبير صحيح انتهى لكن عرفت أنه مرسل. 167 - (اثنتان) من الخصال (يعجلهما الله) أي يعجل عقوبتهما لفاعلهما (في الدنيا) إحداهما (البغي) أي مجاوزة الحد في الطغيان يعني التعدي بغير حق (و) الثانية (عقوق الوالدين) أي مخالفتهما أو إيذائهما أو أحدهما والمراد من له ولادة وإن علا من الجهتين وألحق بهما الزركشي الخالة والعمة واعترض وقيل العقوق ثكل من لم يثكل وقيل لحكيم كيف ابنك قال عذاب رعف به الدهر وبلاء لا يقاومه الصبر وأصل التعجيل إيقاع الشيء قبل أوانه قال تعالى - (تخ طب عن) عبد الله بن أبي بكرة عن أبيه (أبي بكرة) نفيع بضم النون وفتح الفاء ومهملة ابن الحارث بن كلدة بفتحات ابن عمرو الثقفي قيل له أبو بكرة لأنه تدلى للنبي صلى الله عليه وسلم ببكرة من حصن الطائف فأسلم كان من فضلاء الصحابة ومشاهيرهم وقيل هو نفيع بن مسروح والحارث بن كلدة مولاه. 168 - (أثيبوا) كافئوا (أخاكم) في الدين على صنيعه معكم معروفاً بالضيافة ونحوها قالوا: يا رسول الله بأي شيء نثيبه قال (ادعوا له بالبركة) أي بالنمو والزيادة من الخير الإلهي (فإن الرجل) ذكر الرجل غالبي والمراد الإنسان ولو أنثى (إذا أكل طعامه وشرب شرابه ثم دعى له بالبركة) ببناء أكل وشرب ودعى لللمجهول أي أكل الأضياف من طعامه وشربوا [ص 152] من شرابه ثم دعوا له بزيادة الخير ونموّه ويمكن بناء المذكورات للفاعل أيضاً (فذاك) أي مجرّد الدعاء (ثوابه) أي مكافأته (منهم) أي من الأضياف يعني إن عجزوا عن مكافأته بضيافة أو غيرها أو لم يتيسر لهم ذلك لعذر منه أو منهم بدليل الخبر الآتي "من أتى إليكم معروفاً فكافئوه فإن لم تجدوا فادعوا له حتى تعلموا أنكم كافأتموه" أو المراد أن ذلك من ثوابه أو ثوابه المعجل ثم تكافئونه بالمقابل وفيه ندب الضيافة سيما للإخوان والأمر بالمعروف وتعليم العلم والسؤال عما لا يتضح معناه والدعاء لصاحب الطعام بالبركة وفعل الممكن من المجازاة والمبادرة بذلك. (تتمة) قال بعض العارفين النفوس الزكية تنبعث لمكافأة من أحسن إليها ومن أساء طبعاً فتعطي كل ذي حق حقه قال الراغب: والثواب ما يرجع إلى الإنسان من جزاء أعماله فسمى الجزاء ثواباً تصوراً أنه هو. - (د هب عن جابر) بن عبد الله قال صنع أبو الهيتم طعاماً ودعا المصطفى وصحبه فلما فرغوا ذكره وقد رمز المصنف لحسنه وفيه ما فيه إذ فيه فليح ابن سليمان المدني أورده الذهبي في الضعفاء والمتروكين وقال قال ابن معين والنسائي غير قوي ولعله باعتبار شواهده. 169 - (اجتمعوا) بهمزة وصل مكسورة خطاب لمن شكوا إليه أنهم يأكلون فلا يشبعون (على طعامكم) ندباً من الاجتماع ضد الافتراق (واذكروا) حال شروعكم في الأكل (اسم الله عليه) بأن تقولوا في أوله بسم الله والأكمل إكمال البسملة فإنكم إن فعلتم ذلك (يبارك) أي الله فهو مبني للفاعل ويجوز للمفعول (لكم فيه) فتشبعون فالاجتماع على الطعام وتكثير الأيدي عليه ولو من الأهل والخدم مع التسمية سبب للبركة التي هي سبب للشبع والخير والتسمية على الأكل سنة كفاية والأكمل أن يسمي كل واحد منهم فإن ترك التسمية أوله عمداً أو سهواً تداركها في أثناءه كما يأتي في خبر - (حم د ه) في الأطعمة (حب ك) وكذا الطبراني والبيهقي في الجهاد كلهم (عن وحشي) بفتح الواو وسكون المهملة وكسر المعجمة (ابن حرب) ضد الصلح الحبشي مولى جبير بن مطعم أو طعيمة بن عدي وهو قاتل حمزة عم النبي صلى الله عليه وسلم ثم قتل مسيلمة الكذاب وقال قتلت خير الناس وشر الناس فهذه بهذه قال رجل: يا رسول الله إنا نأكل ولا نشبع قال: فلعلكم تفترقون على طعامكم اجتمعوا إلى آخره لم يرمز المؤلف له بشيء ونقل بعضهم عنه أنه صححه وهو من رواية وحشي بن حرب بن وحشي عن أبيه عن جده كما قال الحاكم وغيره ووحشي هذا قال فيه المزني والذهبي فيه لين وقصارى أمر الحديث ما قاله الحافظ العراقي أن إسناده حسن وقال ابن حجر في صحته نظر فإن وحشي الأعلى هو قاتل حمزة وثبت أنه لما أسلم قال له المصطفى صلى الله عليه وسلم غيب وجهك عني فيبعد سماعه منه بعد ذلك إلا أن يكون أرسل وقول ابن عساكر أن صحابي هذا الحديث غير قاتل حمزة يرده وورد التصريح بأنه قاتله في عدة طرق للطبراني وغيره وأقول مما يوهن تصحيحه أن الحاكم مع كونه مشهوراً بالتساهل في التصحيح وعيب بذلك لما أورده لم يصححه بل في كلامه إشعار بضعفه فإنه عقبه بقوله أخرجناه شاهداً. 170 - (اجتنب) بهمزة وصل مكسورة (الغضب) أي أسبابه أي لا تفعل ما يأمر به ويحمل عليه من قول أو فعل لأن نفس الغضب جبلي إذ هو غليان دم القلب لإرادة الانتقام وقد خلق من نار وغرس في الإنسان فمتى نوزع في غرض ثار الغضب فغلى دم القلب وسرى إلى العروق فإن قدر على الانتقام أحمر وجهه وإلا انقبض الدم واصفر اللون وانقلب الغضب حزناً ومحل قوة الغضب القلب فالناس فيه ما بين تفريط وإفراط واعتدال فالتفريط أن يفقد قوة الغضب وهو مذموم إذ لا حمية ولا غيرة لمن هو كذلك والافراط أن يخرج عن سياسة العقل ويقع في نقص الدين ولا ينظر في العواقب وهذا محل النهي وما بين ذلك هو الوسط المحمود قال البيضاوي ولعله لما رأى جميع المفاسد [ص 153] التي تعرض للإنسان إنما هي من شهوته وغضبه وكانت شهوة السائل مكسورة نهاه عن الغضب الذي هو أعظم ضرراً من غيره فإنه إذا ملك نفسه عند حصوله كان أقوى أعدائه - (ابن أبي الدنيا) أبو بكر القرشي (في) كتاب (ذم الغضب) أي فيما جاء فيه (وابن عساكر) في تاريخه عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف (عن رجل من الصحابة) أن رجلاً قال: يا رسول الله حدثني بكلمات أعيش بهن ولا تكثر عليّ فذكره، وجهالته لا تصير الحديث مرسلاً كما في تخريج الهداية لابن حجر وهذا الحديث بمعناه في البخاري إذ فيه من حديث أبي هريرة أن رجلاً قال: يا رسول الله أوصني قال: لا تغضب. 171 - (اجتنبوا) أبعدوا وهو أبلغ من لا تفعلوا لأن نهي القربان أبلغ من نهي المباشرة ذكره الطيبي (السبع) أي الكبائر السبع ولا ينافيه عدها في أحاديث أكثر لأنه أخبر في كل مجلس بما أوحى إليه أو ألهم أو سنح له باعتبار أحوال السائل أو تفاوت الأوقات أو لزيادة فحشها وفظاظة قبحها أو لأن مفهوم العدد غير حجة أو لغير ذلك (الموبقات) بضم الميم وكسر الموحدة التحتية المهلكات جمع موبقة وهي الخصلة المهلكة أو المراد الكبيرة أجملها وسماها مهلكات ثم فصلها ليكون أوقع في النفس وليؤذن بأنها نفس المهلكات وقول التاج السبكي الموبقة أخص من الكبيرة وليس في حديث أبي هريرة أنها الكبائر تعقبه الحافظ ابن حجر بالرد قال ابن عباس وهي إلى السبعين أقرب وابن جبير إلى السبع مئة أقرب أي باعتبار أصناف أنواعها وللحافظ الذهبي جزء فيه نحو الأربع مئة ذكره الأذرعي (الشرك) بنصبه على البدل ورفعه وكذا ما بعده على أنه خبر مبتدأ محذوف أي ومنها الشرك (بالله) أي جعل أحد شريكاً لله والمراد الكفر به وخصه لغلبته حينئذ في الوجود فذكره تنبيهاً على غيره من صنوف الكفر (و) الثانية (السحر) قال الحراني: وهو قلب الحواس في مدركاتها عن الوجه المعتاد لها في ضمنها من سبب باطل لا يثبت مع ذكر الله تعالى عليه وفي حاشية الكشاف للسعد هو مزاولة النفس الخبيثة لأقوال وأفعال يترتب عليها أمور خارقة للعادة قال التاج السبكي والسحر والكهانة والتنجيم والسيمياء من واد واحد (و) الثالثة (قتل النفس التي حرم الله) قتلها عمداً كان أو شبه عمد لا خطأ كما صرح به شريح الروياني والهروي وجمع شافعيون أي فإنه لا كبيرة ولا صغيرة لأنه غير معصية (إلا بالحق) أي بفعل موجب للقتل وأعظم الكبائر والشرك ثم القتل ظلماً وما عدا ذلك يحتمل كونه في مرتبة واحدة لكونه سردها على الترتيب لأن الواو لا توجبه والأظهر أن هذا النهي وشبهه إنما ورد على أمر مخصوص فأجاب السائل على مقتضى حاله وصدور هذه الخصال منه أوهمه بها أو كان في المجلس من حاله ذلك فعرض به إما أنه مما أوحي إليه أو عرفه بما له معجزة (و) الرابعة (أكل مال اليتيم) يعني التعدي فيه وعبر بالأكل لأنه أعم وجوه الانتفاع (و) الخامسة (أكل الربا) أي تناوله بأي وجه كان. قال ابن دقيق العيد: وهو مجرب لسوء الخاتمة ولهذا ذكره عقب ما هو علامة سوء خاتمتها وتردد ابن عبد السلام في تقييده بنصاب السرقة (و) السادسة (التولي) أي الإدبار من وجوه الكفار (يوم الزحف) أي وقت ازدحام الطائفتين إلا إن علم أنه إن ثبت قتل بغير نكاية في العدو فليس بكبيرة بل ولا صغيرة بل يباح بل يجب. قال ابن عبد السلام: وأشد منه ما لو دل الكفار على عورة المسلمين عالماً بأنهم يستأصلونهم ويسبون حريمهم، والزحف الجيش الدهم سمي به لكثرته وثقل حركته يرى كأنه يزحف زحفاً أي يدب دبيباً (و) السابعة (قذف المحصنات) بفتح الصاد المحفوظات من الزنا وبكسرها الحافظات فروجهن منه والمراد رميهن بزنا أو لواط (المؤمنات) بالله تعالى احترازاً عن قذف الكافرا ت فإنه من الصغائر قال الراغب: والقذف الرمي البعيد استعير للشتم والعيب والبهتان (الغافلات) عن الفواحش وما قذفهن به فهو كناية عن البريئات \لأن الغافل بريء عما بهت به من الزنا والقذف [ص 154] به كبيرة إلا لصغيرة لا تحتمل الوقاع ومملوكة وحرة متهتكة فصغيرة لأن الإيذاء في قذفهن دونه في كبيرة مستترة قاله الحليمي وتوقف الأذرعي ونظر الزركشي في المملوكات لخبر من قذف عبدة أقيم عليه الحد يوم القيامة وإلا في قذف المحصنة بخلوة بحيث لا يسمعه أحد إلا الله والحفظة فليس بكبيرة موجبة للحد لانتفاء المفسدة قاله ابن عبد السلام لكن خالفه البلقيني تمسكاً بظاهر - (ق د ن عن أبي هريرة) 172 - (اجتنبوا الخمر) مصدر خمره إذا ستره سمي به عصير العنب إذا اشتد لأنه يخمر العقل ولها نحو أربع مئة اسم وتذكر وتؤنث والتأنيث أفصح وهو حرام مطلقاً وكذا كل ما أسكر عند الأكثر وإن لم يسكر لقلته بل الشافعي وأحمد ومالك على وصفها بذلك فعندهم الخمر كل مسكر وخالف أبو حنيفة فالمعنى على رأى الجماعة اجتنبوا كل مسكر أي ما من شأنه الاسكار فشمل العصر والاعتصار والبيع والشراء والحمل والمس والنظر وغيرها (فإنها مفتاح كل شر) كان مغلقاً من زوال العقل والوقوع في المنهيات واقتحام المستقبحات ونزول الأسقام وحلول الآلام وفي خبر الديلمي عن ابن عمر رفعه تزوج شيطان إلى شيطانة فخطب إبليس اللعين بينهما فقال: أوصيكم بالخمر والغناء وكل مسكر فإني لم أجمع جميع الشر إلا فيهما. - (عد ك) في الأطعمة (هب) كلهم (عن ابن عباس) قال ك صحيح وأقره الذهبي لكن فيه محمد بن إسحاق خرج له مسلم وأورده الذهبي في الضعفاء وقال ثقة وكذبه الهيتمي ومالك والقطان وقال ابن معين: ثقة غير حجة وقال مرة أخرى: غير قوي ونعيم بن حماد من رجال الصحيح لكن قال الأزدي وابن عدي يضع وقال أبو داود عنده نحو عشرين حديثاً لا أصل لها. 173 - (اجتنبوا) وجوباً (الوجوه) جمع وجه والمراد الوجه من آدمي محترم أريد حده أو تأديبه أو بهيم كذلك قصد استقامته وتدريبه ثم بين وجه الاجتناب بقوله (لا تضربوها) فيحرم ذلك كما يحرم وشمه ووسمه وذلك لأن الوجه أشرف ما ظهر من الإنسان بل من كل حيوان فامتهانه بما يؤدي إلى تشويه من العصيان أو المراد بالوجه الوجهاء والعظماء فلا تضربوا من توجه عليه تعزير من رؤساء الناس وأكابرهم بل اقتصروا فيه على ما يليق به منن نحو توبيخ بالقول فهو من قبيل: أقيلوا ذوي الهيآت عثراتهم وهذا وإن كان وجيهاً ففي بعض الروايات ما يعين الأول أما غير المحترم كحربي ومرتد وسبع ضار وكلب عقور فلا، والضرب أصله كما قال الراغب وقع شيء على شيء ولتنوع صنوف الضرب خولف بين تفاسيره كضرب الشيء بنحو عصا وضرب الدراهم اعتباراً بضرب المطرقة وقيل له الطبع اعتبارا بتأثير السكة فيه والضرب في الأرض الذهاب فيها وهو ضربها بالأرجل وضرب الخيمة لضرب أوتادها بالمطرقة وضرب المثل من ضرب الدراهم وهو ذكر شيء بظهر أثره في غيره. - (عد عن أبي سعيد) الخدري ولم يرمز المؤلف له بشيء وهو ضعيف. 174 - (اجتنبوا التكبر) بمثناة فوقية قبل الكاف بخط المؤلف، فما في بعض النسخ من إسقاطها من تحريف النساخ وهو تعظيم المرء نفسه واحتقار غيره والأنفة مساواته وينشأ عنه الغضب لأن غيره إذا ساراه غضب والحقد لما أضمره المرء في نفسه من الترفع على من تكبر عليه والغش لأنه لا ينصح من تكبر عليه إذ قصده كون غيره معيباً منقوصاً وآفات الكبر كثيرة وما من خلق ذميم إلا والكبر محتاج إليه مصاحب له وقلما ينفك عنه العلماء بل والعباد [ص 155] والزهاد إذ يعجبون بكثرة أتباعهم وربما سار الواحد وأتباعه حوله ولو انفرد ساءه ذلك ولو لم يكن من الوعيد للمتكبر إلا نفي محبة الله له في النصوص القرآنية وخبر لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر لكفى (فإن العبد) الإنسان (لا يزال يتكبر حتى يقول الله تعالى) لملائكته (اكتبوا عبدي) وفي رواية عبدي هذا المعتدي طوره الذي نازع ربه رداءه وتعرض للمقت والهلاك (في) الإضافة للملك لا للتشريف (الجبارين) جمع جبار وهو المتكبر العاتي. وكفى بذلك إعلاماً باستقباح الاستكبار كيف وهو يفضي بصاحبه إلى بئس القرار النار وقد أفلح من هدى إلى تجنبه وفاز بخيري الدنيا والآخرة وترك الكبر داع إلى السلامة من شر الناس فينتفي عنه بتركه ما يترتب عليه من أنواع الأذى وضروب المهالك. قال الشافعي: التواضع من أخلاق الكرام والتكبر من أخلاق اللئام وأرفع الناس قدراً من لا يرى قدره وأكبرهم فضلاً من لا يرى فضله وقال القاضي أبو الطيب من تصدى قبل أوانه فقد تصدى لهوانه وفي الشعب: من رضي أن يكون ذنباً أبى الله إلا أن يجعله رأساً وقال الماوردي: الكبر يكسب المقت ويلهي عن التأله ويوغر صدور الإخوان. - (أبو بكر) وأحمد بن علي بن أحمد (ابن لال) قال الكمال: ومعنى لال أخرس وهو أبو بكر الهمداني من أهل القرن الرابع فقيه شافعي تفقه على أبي إسحاق وغيره وله مؤلفات كثيرة في الحديث قالوا: والدعاء عند قبره مستجاب (في) كتابه (مكارم الأخلاق) أي فيما ورد في فضلها (وعبد الغني بن سعيد) الحافظ المشهور (في) كتاب (إيضاح الإشكال عد) كلهم (عن أبي أمامة) الباهلي وفيه عثمان بن أبي عاتكة ضعفه النسائي وغيره وهو علي ابن يزيد الالهاني قال في التقريب ضعيف والقاسم بن عبد الرحمن صدوق لكنه يغرب كثيراً. 175 - (اجتنبوا هذه القاذورات) جمع قاذورة وهي كل قول أو فعل يستفحش أو يستقبح لكن المراد هنا الفاحشة يعني الزنا لأنه لما رجم ماعزاً ذكره سميت قاذورة لأن حقها أن تتقذر فوصفت بما يوصف به صاحبها أفاده الزمخشري (التي نهى الله عنها) أي حرمها (فمن ألم) بالتشديد أي نزل به والإلمام كما في الصحاح مقاربة المعصية من غير مواقعة وهذا المعنى له لطف هنا يدرك بالذوق (بشيء منها فليستتر بستر الله وليتب إلى الله) بالندم والإقلاع والعزم على عدم العود (فإنه) أي الشأن (من يبد) بضم المثناة تحت وسكون الموحدة (لنا صفحته) أي ظهر لنا فعله الذي حقه الإخفاء والستر وصفحة كل شيء جانبه ووجهه وناحيته كنى به عن ثبوت موجب الحد عند الحاكم (نقم) نحن معشر الحكام (عليه كتاب الله) أي الحد الذي حده الله في كتابه والسنة من الكتاب فيجب على المكلف إذا ارتكب ما يوجب لله حداً الستر على نفسه والتوبة فإن أقر عند حاكم أقيم عليه الحد أو التعزير، وعلم من الحديث أن من واقع شيئاً من المعاصي ينبغي أن يستتر وحينئذ فيمتنع التجسس عليه لأدائه إلى هتك الستر قال الغزالي: وحد الاستتار أن يغلق باب داره ويستتر بحيطانه قال فلا يجوز استراق السمع على داره ليسمع صوت الأوتار ولا الدخول عليه لرؤية المعصية إلا أن يظهر عليه ظهوراً يعرفه من هو خارج الدار كصوت آلة اللهو والسكارى ولا يجوز أن يستنشق ليدرك رائحة الخمر ولا أن يستخبر جيرانه ليخبروه بما جرى في داره وقد أنشد في معناه: لا تلتمس من مساوي الناس مستتراً * فيكشف الله سترا عن مساويكا واذكر محاسن ما فيهم إذا ذكروا * ولا تعب أحداً منهم بما فيكا - (ك هق عن ابن عمر) بن الخطاب قال: قام المصطفى صلى الله عليه وسلم بعد رجم الأسلمي فذكره قال ك على شرطهما وتعقبه الذهبي فقال غريب جداً لكنه في المهذب قال إسناده جيد وصححه ابن السكن وذكره الدارقطني في العلل [ص 156] وصحح إرساله وقول ابن عبد البر لا نعلمه بوجه قال ابن حجر مراده من حديث مالك ولما ذكر إمام الحرمين في النهاية هذا الحديث قال صحيح متفق عليه فتعجب منه ابن الصلاح وقال أوقعه فيه عدم إلمامه بصناعة الحديث الذي يفتقر إليها كل عالم. 176 - (اجتنبوا مجالس) أي مواضع جلوس (العشيرة) الرفقاء المتعاشرون. قال الزمخشري: تقول هو عشيرك أي معاشرك أيديكما وأمركما واحد وزوج المرأة عشيرها أي لا تجلسوا في مجالس الجماعة الذين يجلسون للتحدث بالأمور الدنيوية لما يقع فيها من اللغو واللهو وقد يجر لإضاعة صلاة أو وقيعة أما مقاعد الخير كذكر وتعلم علو وتعليمه وقراءة قرآن وأمر بمعروف ونهي عن منكر فيتأكد لزومها ثم إطلاقه المجالس شامل لما كان على الطريق وغيره ففيه أنه يكره الجلوس في الشارع للحديث ونحوه إلا أن يعطيه حقه كغض البصر ورد السلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وكف الأذى كترك الغيبة والنميمة وسوء الظن واحتقار المار وكون القاعد يهابه المارة ويتركون المرور لأجله ولا طريق سواه قال القرطبي في هذا الحديث إنكار للجلوس على الطرقات وزجر عنه لكن محله ما إذا لم يكن إليه حاجة كما قالوا في خبر مسلم ما لنا من ذلك بد لكن العلماء فهموا أن المنع ليس للتحريم بل إرشاد إلى المصالح. - (ص عن أبان) بفتح الهمزة والموحدة منصرف لأنه فعال كغزال وقيل هو أفعل فلا ينصرف لوزن الفعل مع العلمية (ابن عثمان) بن عفان (مرسلاً) هو تابعي جليل. قال الذهبي: كان فقيهاً مجتهداً وكان أميراً على المدينة في زمن ابن عم أبيه عبد الملك بن مروان وعدول المؤلف لرواية إرساله واقتصاره عليها يوهم أنه لم يقف عليه مسنداً متصلاً وهو عجيب فقد خرجه مسلم في صحيحه من حديث إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أبيه عن جده أبي طلحة الأنصاري الصحابي الكبير الشهير لكن بلفظ: اجتنبوا مجالس الصعدات. وزاد بيان السبب فقال: "كنا قعوداً بالأقنية نتحدث إذ جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقدم علينا فقال: ما لكم ولمجالس الصعدات اجتنبوا مجالس الصعدات. فقلنا: إنما قعدنا لغير ما بأس، قعدنا لنتذاكر ونتحدث. قال: أما إذاً فأدوا حقها: غض البصر ورد السلام وحسن الكلام" انتهى بنصه وإسحاق أحد الثقات الكبار تابعي جليل إمام خرج له الستة. 177 - (اجتنبوا الكبائر) جمع كبيرة وقد اضطرب في تعريفها فقيل ما توعد عليه أي بنحو غضب أو لعن بخصوصه في الكتاب أو السنة واختاره في شرح اللب واعترض بعضهم أن هناك كبائر ليس فيها ذلك كظهار وأكل خنزير وإضرار في وصية وقيل ما يوجب الحد وأورد عليه الفرار من الزحف والعقوق وشهادة الزور والربا ونحوها مما لا حد فيه وهو كبيرة وأجيب بتأويله على إرادة ما عدا المنصوص وقيل كل جريمة تؤذن بقلة أكثر أن مرتكبها بالدين ورقة الديانة واختاره التاج السبكي عازياً لإمام الحرمين واعترض، نعم هو أشمل التعاريف قال الزركشي: والتحقيق أن كل واحد من الأقوال اقتصر على بعض أنواعها وبالمجموع يحصل الضابط (وسددوا) اطلبوا بأعمالكم السداد أي الاستقامة ما استطعتم والقصد في الأمر والعدل فيه ولا تشددوا فيشدّد الله عليكم، ولهذا لما تكرر استكشاف بني إسرائيل عن صفة البقرة شدّد الله عليهم ولو ذبحوا أدنى بقرة لكفتهم كما جاء في الخبر ومن ثم قالوا الاستقصاء شؤم وكتب بعض الخلفاء إلى عامله أن يقطع أشجار قوم ويهدم دورهم فكتب إليه بأيهما أبدأ فقال إن قلت لك بقطع الشجر قلت بأي نوع منها فعزله حالاً (وأبشروا) بقطع الألف المفتوحة وسكون الموحدة وكسر المعجمة أي إذا تجنبتم الكبائر واستعملتم السداد في الظواهر والسرائر فأبشروا بما وعدكم ربكم به بقوله تعالى - (ابن جرير) الإمام المجتهد المطلق في تفسيره (عن قتادة) بن دعامة بكسر المهملة (مرسلاً) وهو أبو الخطاب الدوسي الأعمى البصري الحافظ أحد الأئمة الأعلام روى عن أنس [ص 157] وغيره قال في الكشاف لم يكن في هذه الأمة أكمه ممسوح العينين سواه. 178- (اجتنبوا) وجوباً (دعوات) وفي رواية دعوة وهو بمعناه لأنه مفرد مضاف فيعم (المظلوم) فإنها (ما) أي ليس (بينها وبين الله) تعالى (حجاب) مجاز عن سرعة القبول كما مر ومن عرف هذا وعلم أن وراء الظالمين طالباً لا يرد بأسه ولم يقلع ويرجع فقد طبع على قلبه وحجب عن ربه. ثم هذا وإن كان مطلقاً فهو مقيد بالحديث الآخر أن الدعاء على ثلاث مراتب إما أن يعجل له ما طلب أو يدخر له أفضل منه أو يدفع عنه من السوء مثله كما قيد - (ع عن أبي سعيد) الخدري (وأبي هريرة) الدوسي (معاً) رمز المؤلف لضعفه هكذا رأيته في مسودته بخطه. 179 - (اجتنبوا كل) أي تناول كل (مسكر) يعني ما شأنه الاسكار فشمل قطرة منه وعبر بكل ليشمل بمنطوقه المسكر من ماء العنب وغيره كزبيب وحب وتمر والمائع وغيره كبنج وحشيش لكن المائع أصله حرام نجس وغيره حرام طاهر هذا ما عليه الشافعية كالجمهور وخالف الحنفية فقالوا يحرم المتخذ من ماء العنب وإن قل ولم يسكر إلا إذا طبخ على تفصيل فيه عندهم ولا يحرم المتخذ من غيره إلا القدر الذي يسكر انتهى وشمل إطلاق الحديث تناوله لتداوٍ أو عطشٍ وإن فقد غيره وبه قال الشافعي. - (طب عن) أبي عبد الرحمن (عبد الله بن مغفل) بضم الميم وفتح المعجمة وشدة الفاء ابن عبد نهم بفتح النون وكسر الهاء المزني بضم الميم وفتح الزاي وبالنون من أصحاب الشجرة قال كنت أرفع أغصانها عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهو أول من دخل مكة وكبر وقت الفتح قال ابن حجر سنده لين ورواه عنه أيضاً أحمد بلفظ اجتنبوا المسكر وسنده حسن وله طرق كثيرة جداً انتهى وبه يعرف ما في رمز المؤلف لضعفه. 180 - (اجتنبوا ما) أي الشراب الذي (أسكر) شربه قال الحراني: ألحق المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم بتحريم الخمر الذي سكرها مطبوع تحريم المسكر الذي سكره مصنوع فالمتخذ من غير العنب يحرم شرب قليله عند الجمهور كما يحرم شرب قليل الخمر المتخذ من العنب ويحرم كثيره اتفاقاً وقد فهم الصحب من الأمر باجتناب المسكر تحريم ما يتخذ للسكر من جميع الأنواع ولم يستفصلوا والصحابة أعرف بالمراد ممن جاء بعدهم. - (الحلواني) بضم المهملة الحسن بن علي الخلال (عن علي) أمير المؤمنين رمز المؤلف لضعفه وذلك لأن فيه علي بن زيد بن جدعان لينه الدارقطني وغيره قال ابن حجر وفي الباب عن نحو ثلاثين صحابياً وأكثر الأحاديث عنهم جياد ومضمونها أن المسكر لا يحل تناوله بحال بل يجب اجتنابه وقد قال ابن المبارك لا يصح في حل النبيذ الذي يسكر كثيره عن الصحابة شيء ولا عن التابعين إلا النخعي. 181 - (اجثوا) بضم الهمزة والمثلثة اجلسوا أو ابركوا معتمدين (على الركب) بين يدي الله تعالى عند إرادة الدعاء لأنه أبلغ في الأدب وأقرب إلى التواضع وهي جلسة العبد الذليل بين يدي الملك الجليل فهو نهي عن التربع حال الدعاء لما فيه من التمكن في الجلوس الذي هو شأن المتكبرين ولهذا قال في الخبر المار "أجلس كما يجلس العبد" والركب جمع ركبة وهي أول المنحدر عن الفخذ إلى أول أعلى الساق كما يشير إليه قول الصحاح الركبة معروفة والمعروف أنها [ص 158] ما ذكروه به رد قول القاموس هي موصل ما بين أسافل أطراف الفخذ وأعالي الساق وكثيراً ما يقع للقاموس الخروج عن اللغة لغيرها (ثم قولوا) ثم بمعنى الواو وهي الواردة في خبر الطبراني أي اجثوا على الركب عند دعائكم قائلين حالتئذ (يا رب) أعطنا (يا رب) أعطنا أي كرروا ذلك كثيراً فإن العبد إذا قال ذلك قال الله لبيك عبدي سل تعط هكذا رواه ابن أبي الدنيا عن عائشة رضي الله تعالى عنها موقوفاً وخصه لما فيه من معنى التربية والإصلاح وهذا تعليم منه لأمته كيف يدعون ربهم وكيف يضرعون إليه، وتكرير يا رب من باب الابتهال وإعلام بما يوجب حسن الإجابة والاثابة من احتمال المشاق في دين الله والصبر على صعوبة تكاليفه وقطع لأطماع الكسالى المتمنين عليه وتسجيل على من لا يرى الثواب موصولاً إليه بالعمل بالجهل والغباوة ذكره الزمخشري.
|